2025/05/05

يعد مشروع قانون التحكيم العراقي الجديد خطوة مهمة في تحديث الإطار القانوني للتحكيم داخل العراق، وذلك بهدف تلبية متطلبات العصر وتعزيز الثقة في آليات حل المنازعات البديلة، خاصةً في المجال التجاري والاستثماري. ويهدف المشروع إلى إنشاء نظام حديث يتفق مع المعايير الدولية، ويتماشى مع قانون اليونسيترال النموذجي (UNCITRAL Model Law)، مما يعزز موقع العراق كبيئة جاذبة للاستثمار ويساهم في تسريع إنجاز المنازعات بعيدًا عن الروتين البيروقراطي والتأخير القضائي.

أولاً: الأحكام العامة والأساسية

ينقسم مشروع القانون إلى عدة أبواب وأحكام تتناول مختلف جوانب التحكيم، بدءًا من تعريف التحكيم ونطاق تطبيقه، مرورًا بإجراءات التحكيم وإصدار القرار، وانتهاءً بإمكانية الطعن في الحكم التحكيمي أو تنفيذه. كما حدد المشروع مفهوم التحكيم باعتباره وسيلة اختيارية لتسوية المنازعات بناءً على اتفاق الأطراف، سواء كانت هذه المنازعات محلية أو دولية.

ومن بين المبادئ الأساسية التي رعها المشروع:

  • حرية الأطراف في اختيار محكميها: حيث أعطى المشروع للأطراف حرية اختيار المحكمين وتحديد إجراءات التحكيم بما لا يخالف النظام العام.
  • المساواة بين الأطراف: وأكد على ضرورة معاملة الأطراف بالإنصاف والسماح لكل طرف بتقديم دفاعه بشكل كامل.
  • السرية في إجراءات التحكيم: باعتبارها أحد السمات الجوهرية التي تميز التحكيم عن التقاضي.

ثانيًا: اتفاق التحكيم

اعتبر مشروع القانون اتفاق التحكيم أساس العلاقة التحكيمية، سواء كان هذا الاتفاق في صيغة بند تحكيم ضمن عقد ما أو في شكل اتفاق منفصل بعد نشوء النزاع. وحدد شروط صحته من حيث الشكل والموضوع، مشترطًا أن يكون موضوع النزاع قابلًا للتصفية بموجب التحكيم، أي أنه لا يتصل بالنظام العام أو الحقوق غير القابلة للتصرف.

كما نص على أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبًا، ويمكن أن يكون ضمن عقد مكتوب أو محرر إلكتروني معتمد، وهو ما يتوافق مع المعايير الحديثة في مجال التحكيم الرقمي.

ثالثًا: المحكمون

خصص المشروع فصلاً خاصًا للمحكمين، نص فيه على شروط الاستقلالية والاستقلال المهني للمحكم، وعلى وجوب حياده ونزاهته، مع إلزامه بالإفصاح عن أي حالة قد تثير شكًا في استقلاليته. كما أعطى الأطراف حرية اختيار عدد المحكمين ومؤهلاتهم، على ألا يقل العدد عن واحد، وفي حالة وجود ثلاثة محكمين، يمكن لكل طرف تعيين واحد منهم، بينما يتم تعيين الثالث باتفاق الطرفين أو بواسطة جهة مختصة.

كما نص المشروع على جواز رد المحكم في حال ثبوت عدم أهليته أو وجود موانع تتعلق بحياده أو قدرته على مباشرة مهمته.

رابعًا: إجراءات التحكيم

نظم المشروع إجراءات التحكيم بشكل تفصيلي، بدءًا من إقامة الدعوى التحكيمية، ومرورًا بجلسات التحكيم والإدلاء بالأقوال والبينات، وانتهاءً بإصدار الحكم. وقد أعطى المشروع للأطراف حرية كبيرة في تنظيم الإجراءات بما يتناسب مع طبيعة النزاع وظروفه، شريطة ألا تخالف هذه الإجراءات النظام العام أو حقوق الدفاع.

وأكد المشروع على حق كل طرف في تقديم أدلة وسماع الشهود واستدعاء الخبراء، مع ضمان سرية الجلسات إلا إذا اتفق الأطراف على خلاف ذلك.

خامسًا: الحكم التحكيمي

نص المشروع على أن يكون الحكم التحكيمي مكتوبًا ومسببًا، ويُصدر بأغلبية الآراء في حالة وجود أكثر من محكم، مع إمكانية إرفاق الآراء المخالفة. ويُعتبر الحكم التحكيمي نهائياً وملزماً للأطراف، ويجوز تنفيذه وفقًا لأحكام التنفيذ المنصوص عليها في القانون.

كما أعطى المشروع الحق للأطراف في الاتفاق على إمكانية الطعن في الحكم أمام المحكمة المختصة.

سادسًا: الطعن في الحكم التحكيمي

حدد المشروع حالات الطعن في الحكم التحكيمي، ويجوز للمحكمة المختصة عند سماع الطعن إبطال الحكم أو إعادة القضية لهيئة التحكيم للفصل فيها من جديد.

سابعًا: تنفيذ أحكام التحكيم

خصص المشروع فصلًا خاصًا لتنفيذ الأحكام التحكيمية، سواء كانت صادرة داخل العراق أو في دولة أجنبية. وحدد إجراءات تنفيذ هذه الأحكام بطريقة مبسطة تضمن سرعة تنفيذها، مع الحفاظ على حق الأطراف في الاعتراض وفقًا للإجراءات المنصوص عليها.

ثامنًا: التحكيم الإلكتروني

استجابةً للتطورات الرقمية، أفرد المشروع نصوصًا خاصة للتحكيم الإلكتروني، الذي يتم عبر الوسائل الإلكترونية، مع ضمان نفس المبادئ التي تحكم التحكيم التقليدي من حيث الحرية والسرية والاستقلالية. كما نص على صحة الإجراءات الإلكترونية إذا توفرت شروط معينة من حيث الأمان والتحقق من الهوية وحفظ البيانات.

خاتمة

يمثل مشروع قانون التحكيم العراقي لعام 2024 تطورًا تشريعيًا مهمًا يسعى نحو تحسين بيئة المنازعات وحلها بطريقة فعالة وسريعة، ويضع العراق على خريطة الدول التي تتبنى أنظمة تحكيم حديثة ومتقدمة. ومن شأن هذا القانون، حال إقراره، أن يعزز الثقة في البيئة القانونية والاستثمارية، ويخفف العبء على القضاء النظامي، ويحقق العدالة بأسلوب يتناسب مع متطلبات العصر. ويبقى النجاح الحقيقي لهذا القانون مرهونًا بتوفر الكوادر المؤهلة من المحكمين والممارسين، وبإرادة سياسية حقيقية لدعم آليات التحكيم، وبثقافة مجتمعية تؤمن بجدوى هذه الوسيلة البديلة في حل المنازعات.