التحكيم الدولي : الوضع الحالي وتوجهات المستقبل

في استطلاع صادرة عن جامعة كوين ماري تم سؤال المشاركين فيها عن الطريقة التي يفضلونها لحل المنازعات عبر الحدود في مرحلة ما بعد COVID-19. وطُلب إلى المشاركين أن يختاروا واحداً من خمسة خيارات: "التحكيم الدولي إلى جانب الحلول البديلة لتسوية المنازعات"، أو "التقاضي عبر الحدود إلى جانب الحلول البديلة لتسوية المنازعات"، أو "التحكيم الدولي" كخيار قائم بذاته، أو "الحلول البديلة لتسوية المنازعات"، أو "التقاضي عبر الحدود" كخيار قائم بذاته. حيث تشمل الحلول البديلة لتسوية المنازعات، على سبيل المثال، التقاضي، ومجالس فض المنازعات، وقرارات الخبراء، والوساطة والتفاوض، مع استبعاد التقاضي والتحكيم.

وكانت نتيجة هذا الاستطلاع أن تم اختيار التحكيم بنسبة (90%) إما كخيار مستقل بنسبة (31%) أو بالاشتراك مع الوسائل البديلة لتسوية المنازعات بنسبة (59%) كآلية مفضلة في تسوية النزاعات العابرة للحدود، نفس هذه النتيجة خرجت بها الجامعة في استطلاعات سابقة، وتعبر هذه النتيجة عن زيادة ملحوظة في شعبية التحكيم جنبا إلى جنب مع وسائل حل المنازعات؛ حيث أعرب 59٪ من المستجيبين عن تفضيلهم لهذه المجموعة في الاستطلاع الماثل، مقابل 49٪ في 2018 و34٪ فقط في 2015.

وعلى الرغم من أن الاستطلاع يشير صراحة إلى مشهد ما بعد COVID-19، إلا أن الأشخاص المشاركين قد أوضحوا أن إجاباتهم لم تتأثر بالوباء. حيث ظلت العوامل التي أثرت في اختياراتهم كما هي إلى حد كبير.

وقد أشار المشاركين أنه في بعض الأحيان كان اللجوء إلى الحلول البديلة لتسوية المنازعات هو على أمل التوصل إلى حل أسرع وأكثر فعالية من حيث التكلفة قبل اللجوء إلى التحكيم، بالإضافة إلى ذلك فهناك بعض المنازعات التي يكون شائعا فيها الحلول البديلة لتسوية المنازعات مثل عقود الإنشاءات ومشاريع البناء، بالإضافة إلي إن مجالس فض المنازعات تعد خيار جيد وفعال وأرخص في كثير من الأحيان لتسوية المنازعات، وهو ما ساعد على تجنب عمليات التحكيم المطولة والمُستهلكة للوقت، ومع ذلك لوحظ أن قرارات مجالس المنازعات ليست قابلة للإنفاذ بشكل عام، وهذا يعني أنه إذا لم يتم قبول القرار بشكل متبادل، فإن الأطراف ستقوم باللجوء إلي التحكيم مرة أخري، مما قد يواجه إجراءات تحكيم مكررة ومكلفة للنزاع نفسه.

ما هي مقرات التحكيم المفضلة ؟

اختيار مقر التحكيم هو قضية رئيسية لمستخدمي التحكيم الدولي. وقد سعت الإحصائية إلى تحديد المقرات الأكثر تفضيلاً من قبل المشاركين أو مؤسساتهم، وقد اختار المشاركون أكثر من 90 مقرا مختلفًا حول العالم.

 بصرف النظر عن عدد الخيارات المتاحة لمستخدمي التحكيم الدولي، فبالنظر إلى نتائج الاستطلاع السابقة لا ينبغي أن نفاجئ من نتيجة أفضل خمسة مقرات تحكيم مفضلة عند النظر إلى نتائج الاستطلاعات السابقة التي أجرتها جامعه كوين ماري، ومع ذلك كانت هناك حركة مثيرة للاهتمام ضمن المراكز الخمسة الأولى، فبينما ظلت لندن مرة أخرى في أعلى قائمة أفضل مقرات التحكيم، إلا أنها للمرة الأولى تشترك معها سنغافورة في هذا المركز؛ حيث تربعت كلا منها علي عرش أول المدن الأكثر تفضيلا لإجراء التحكيم بنسبة 54٪ من المشاركين بالإحصائية، وتنعكس زيادة شعبية مراكز التحكيم الآسيوية علي النجاح الذي حققته سنغافورة وأيضا هونغ كونغ، التي احتلت المرتبة الثالثة بنسبة (50٪). وتأتي باريس في المرتبة الرابعة (اختارها 35٪ من المشاركين بالاستطلاع) تليها جنيف في المرتبة الخامسة (13٪ من المشاركين)، أيضا المقرات الأخرى التي تقترب من المراكز السبعة الأولى في كل من عامي 2015 و2018 لا تزال تعتبر اختيارات آمنة من قبل المشاركين، وبالتحديد مدن مثل نيويورك وستوكهولم، كما انضمت بكين إلى نيويورك كسادس أكثر المقرات شعبية، حيث اختار كل منها 12٪ من المشاركين. تأتي شنغهاي في المرتبة الثامنة (8٪)، مع تراجع ستوكهولم من المركز السابع الذي احتلته في الاستطلاعات السابقة إلى المركز التاسع (6٪). وتحتل دبي المركز العاشر، حيث اختارها 5٪ من المشاركين.

وشملت المدن الأخرى التي تم إدراج كل منها بنسبة 4٪ إلى 2٪ من المشاركين: زيورخ، فيينا، واشنطن العاصمة، ميامي، شنتشن، ساو باولو، فرانكفورت، ولاهاي.

وبمراجعة نتائج استطلاعات الرأي التي أُجريت في الأعوام 2015 و2018 والحالية، يبدو أن هذه المدن عززت موقعها المهيمن كمقرات مفضلة للتحكيم الدولي، وهو الشيء الذي كان متوقعًا نظرًا لأن كل واحده منهم تتمتع بسمعة طويلة ومعترف بها باعتبارها "مقراً آمنًا" للتحكيم الدولي، وبالتالي -بناءً على الاستطلاعات السابقة- كان من المتوقع أن تستمر شعبيتها.

ولكن الشيء المثير للاهتمام هو النتيجة الجديدة التي حققتها كلا من سنغافورة (54%)، وهونج كونج (50%) بالمقارنة إلى النتائج السابقة لكلا منهما، حيث حقت سنغافورة المركز الثالث في 2018 بنسبة (39%)، والمركز الرابع عام 2015 بنسبة (19%)، بينما حققت هونج كونج المركز الرابع عام 2018 بنسبة 28%، وهو الشيء الذي يعد تطورا ملحوظا لكلا منهما.

وبسؤال المشاركين عن اهم أسباب اختيار كلا من سنغافورة وهونج كونج أكدوا أن هذه المقرات تعتبر خيارات آمنة لإجراء التحكيم، بجانب وجود مؤسسات تحكيم متميزة مثل مركز التحكيم الدولي بسنغافورة SIAC، وهو ما يعد إضافة تأخذ في الاعتبار عند اختيار مقر التحكيم، كما يعكس النمو في شعبية هذه المناطق الرغبة المتزايدة من قبل الأطراف ذات المصالح التجارية المرتبطة بتلك المنطقة لحل النزاعات "محليًا"، ويتوقع أن تؤدي مبادرات مثل مبادرة الحزام والطريق إلي استمرار زيادة النمو في شعبية تلك المناطق، كما قد ترتبط الزيادات التي تتمتع بها هذه المقرات أيضًا بانخفاض نسبي في النسبة المئوية للمشاركين الذين شملوا المقرات الأوروبية المهيمنة تقليديًا، مثل لندن وباريس وجنيف، في إجاباتهم، فقد تم اختيار لندن من قبل 64٪ من المشاركين في عام 2018، مما يجعلها الأكثر اختيارًا في ذلك العام، لكنها انخفضت إلى 54٪ في هذا الإصدار من الاستطلاع، كما تراجعت باريس بنسبة أكثر من ذلك، فمن المرتبة الثانية في عام 2018 بنسبة 53٪، إلى المركز الرابع هذا العام، كمقر مفضل لـ 35٪ من المشاركين، كما احتفظت جنيف أيضًا بمكانتها في الاستطلاعات السابقة باعتبارها خامس أكثر المقرات شعبية، ولكن مع انخفاض في نسبة المشاركين الذين أدرجوها في إجاباتهم - من 26٪ في 2018 إلى 13٪ هذا العام، وهذا يوضع الاتجاه العام الدولي إلي إجراء التحكيم بالمراكز الآسيوية مع انخفاض الإقبال علي المراكز الأوروبية. 

الوضع على المستوي الإقليمي

وفقا للاستطلاع الماثل، فالنتائج توضح عدد من التقلبات على المستوي الإقليمي، على سبيل المثال لندن، كانت تتصدر الرسوم البيانية لجميع المناطق في استطلاع 2018، وعلى الرغم من أنها لا تزال تحتل المرتبة الأولى هذه المرة أيضا، إلا أنها لم تعد أفضل الخيارات للكثير من المشاركين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ ولم تظهر على الإطلاق في أفضل الاختيارات لمنطقة البحر الكاريبي / أمريكا اللاتينية، ففي منطقة آسيا والمحيط الهادئ، تجاوزت كل من سنغافورة وهونج كونج لندن بهامش كبير (أكثر من 20٪).

وعلى الرغم انه تم تصنيف كل من هونغ كونغ وباريس وسنغافورة ضمن أفضل خمسة مقرات مفضلة في جميع المناطق، إلا أن الوضع يختلف على المستوي الإقليمي، فعلى سبيل المثال، كانت جنيف رابع أكثر المقرات تفضيلاً في أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط، والخامس في منطقة البحر الكاريبي / أمريكا اللاتينية، ولكن هذا العام فقد تغير الوضع، ففي أفريقيا احتلت القاهرة نسبة (12٪) ونيروبي (6٪)، في آسيا والمحيط الهادئ، شنتشن (4٪)، في منطقة البحر الكاريبي / أمريكا اللاتينية، ساو باولو (21٪)، ميامي (15٪) وليما (6٪). كما احتلت مدريد (5٪) وهي بذلك من ضمن المراكز العشرة الأولى في منطقة البحر الكاريبي / أمريكا اللاتينية، فعلى الرغم من أنه يبدو أن هناك بعض المقرات ستظل تحظى بشعبية، إلا أن هناك العديد من المقرات الإقليمية التي تزداد شهرة وشعبية.

شهادة المحكم المحترف

إنضم إلينا في شهادة إعداد وتأهيل المحكم المحترف 80 ساعة ⏰، واكتسب المهارات التالية:

  • مهارات صياغة اتفاق التحكيم.
  • مهارات إدارة جلسات التحكيم.
  • مهارات صياغة حكم التحكيم.
  • الإدارة الفاعلة للدفاع لقضايا التحكيم.