مما لا شك فيه أن الكثيرون يتطلعون إلى نتائج الدراسة الإستقصائية الدولية فى التحكيم للعام 2018 : " تطور التحكيم الدولى " ، والتى دعت المهتمين بهذا المجال إلى التعليق عليها فى 2017 . وفى حين أن نتائج الدراسة المشتركة بين جامعة الملكة مريم فى لندن و White & Case سوف تكون مؤشراً جيداً على مسار التحكيم الدولى حتى عام 2020 ، فإنها لن تكون المؤشر الوحيد لنموه وإتجاهه .

 

ان " التطور " في التحكيم الدولى بوصفه موضوعاً مشتركاً يبدو أن هناك مؤشرات قوية على أنه لن يشهد تحولات جذرية فى عام 2018 ، ولكنه بدلاً من ذلك سيستجيب تدريجياً ويتكيف مع القوى والمطالب المتغيرة للمجتمع الدولى – النزاعات المتزايدة، وزيادة الحاجة إلى المرونة فى حلها، وزيادة الحمائية فيما بين الدول القومية .

كيف تحدث تلك الإستجابة فى حين أننا لم نر التكيف بعد. تمثل الموضوعات الساخنة العشرة التالية منظوراً واحداً للإتجاهات والتطورات القادمة التى يحتمل أن تشكل تطوراً وتكيفاً فى التحكيم الدولى :

1- الشراكات عبر الحدود ، والتعاون .

من المرجح أن عام 2018 سيشهد دخول المزيد من المؤسسات في شراكات استراتيجية مع المؤسسات الأخرى والجامعات ومجالس الأعمال والشركات وغيرها من الجهات المعنية. ولكي يكون التحكيم فعالا في ظل هذا النمو الهائل ، يجب أن تكون هذه الشراكات ذات مغزى وأن تعمل على تعزيز التعاون الحقيقي .

2- زيادة إمكانية اللجوء إلى التحكيم الدولى

ومن المجالات الأخرى التي من المحتمل ان تخضع للتدقيق في عام 2018، أن التحكيم الدولي كثيرا ما يتعذر علي العديد من الأطراف الوصول إليه . وقد ساعدت مبادرات مثل الإجراءات المعجلة (تحكيم الطواريء) علي خفض التكاليف بشكل كبير .

وتشير مؤخراً إحصاءات لجنة هونج كونج الإدارية المستقلة فيما يتعلق بتكاليف التحكيم ومدتة، أن الأطراف تدفع فى المتوسط أقل من ثلث التكاليف الإجمالية للتحكيم المعيارى إذا إستخدمت هذه الآلية. وسوف تستمر المبادرات من هذا القبيل لمساعدة الأعمال التجارية صغيرة ومتوسطة الحجم على إستخدام التحكيم الدولى بطريقة فعالة من حيث التكلفة .

ومن الإهتمامات الأخرى أن ينظر إلى التحكيم الدولى على أنه مجال قانونى متخصص ، وأنه أصبح حصرياً . وهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة فى معظم الأحيان، حيث أن ممارسى التحكيم منفتحون للتعاون مع الأطراف الآخرين وكثيراً ما يشاركونهم الدراية المهنية. ولسوء الطالع، قد توجد تصورات مضللة يجب على مجتمع التحكيم أن يتصدى لها هذا العام .

3- تعليم جيل جديد من الممارسين

من أكثر المجالات التى أغفلت والتى يجب معالجتها ، مع تطور التحكيم الدولى ، أهمية تثقيف وتمكين جيل جديد من الممارسين الناشئين، ففي الوقت التي تقدم فيه الجامعات والمؤسسات دبلومات للطلبة المهتمين بتسوية المنازعات الدولية ، فإن العديد منها ذات طبيعة عامة، وبالتالى فهى غير قادرة على معالجة القضايا والتعقيدات والتطورات فى التحكيم الدولى .

وعلاوة على ذلك ، إذا كان التركيز ينصب فقط على فرص الدراسات العليا ، فإننا إخفقنا فى أهمية الإبلاغ عن أهمية التحكيم التجارى والإستثمارى الدولى لعدد كبير من طلاب الجامعات الذين تخرجوا دون معرفة أن التحكيم الدولى شكل مشروع وفعال لحل المنازعات.

وللمضى قدماً، يجب أن نكون شراكات ذات جدوى أكبر مع المؤسسات الأكاديمية ، وأن نشجع الجيل الناشىء من الممارسين على تشكيل وقيادة مجتمعات وجمعيات جديدة، خاصة تلك التى لها ولاية عبر الحدود. ويعتمد النمو الإضافى للتحكيم إلى حد كبير على التعاون والتكافل والإصلاح الحقيقى على مستوى القاعدة الشعبية .

4- عملية إختيار المحكم

فى العام الماضى ، كان أحد المواضيع الساخنة هو الحاجة إلى مزيد من الشفافية والتوجيه فيما يتعلق بإختيار المحكمين وتعيينهم . ولا يزال رأى المؤلف هو أن المناقشات والتطورات ستبدأ فى الظهور حول هذا الأمر فى 2018 .

ومن بين الدلائل التى تشير إلى أن هذه المسألة قد تتطور إلي نقش جاد فى 2018 أن العديد من الأسئلة (12 ، 26 ، 27 ، 28) فى الدراسة الإستقصائية للتحكيم الدولى فى 2018 تتناول عملية إختيار المحكم ، وتقترح أنه من الضرورى تزويد الجمهور بالمعلومات المتاحة لتهدئة مخاوف الأطراف، ويجب أن تكون مؤسسات التحكيم إستباقية وأن تأخذ زمام المبادرة فى هذه المسألة ، بدلاً من إنتظار نتائج الدراسة الإستقصائية أو زيادة الضغط السوقى .

5- دور التكنولوجيا

يجب على مجتمع التحكيم الدولى أن يتبنى التطورات التكنولوجية ، والتحول نحو الذكاء الإصطناعى ، والبيانات الضخمة ، (Internet of Things (IoT. وبدلاً من النظر إلى هذه الإتجاهات كتهديد ، يجب أن نستفيد من مختلف الفوائد المرتبطة بهذا التغيير لأنها قادرة على تحويل موضوع تسوية المنازعات بالكامل . ستؤدى التطورات فى مجال التكنولوجيا إلى :-

- مساعدة المؤسسات على عقد جلسات إستماع بمزيد من الكفاءة .

- تحسين الأمن ، إنتهاك البيانات ، وخصوصية الأطراف .

- تعزيز المستودعات عبر الإنترنت ، قواعد البيانات ، الإحصائيات .

- مساعدة الأطراف فى التغلب على القيود الجغرافية .

- مساعدة أصحاب المصلحة على تفسير البيانات الضخمة عن طريق الذكاء الإصطناعى .

6- التنوع

لقد كان التنوع وسوف يظل موضوعاً ساخناً هذا العام، وبدلاً من مواصلة سرد الحجج الداعية إلى ضرورة أن يظل التحكيم شاملاً ومتنوعاً ، نحتاج بدلاً من ذلك إلى رؤية بعض الأطر الملموسة فى عام 2018 .

وقد عملت Arbitral Women بلا كلل فى عام 2017 ، وأدت هذه الجهود إلى مبادرات أخرى مثل " التمثيل المتساوى فى التعهد بالتحكيم " ، والذى حصل على أكثر من 2500 توقيعاً . وأحدث تطور فى هذا المجال هو مبادرة المرأة فى التحكيم، ومن المرجح أن تحذو مؤسسات التحكيم الأخرى حذوها فى 2018 ، لزيادة دعم المنظمات والجمعيات الفردية وتعزيز التنوع .

7- الإبتكار

2016 / 2017 كانت الفترة التى إختارت فيها معظم المؤسسات تنقيح قواعد التحكيم الخاصة بها . وبما أن معظم القواعد الحديثة ستكون لها الآن مجموعة من القوانين ، فلابد من الإعلان عن تطورات مبتكرة أخرى لكى تظل المؤسسات قادرة على المنافسة وفى دائرة الضوء .

وأحد الأمثلة القوية على الإبتكار فى 2017 هو مركز التحكيم الآسيوى الدولى (KLRCA’s) لنشر مجموعة من الإتصالات القياسية الخاصة ببناء النماذج : العقد الرئيسى ، العقد القياسى الفرعى ، عقد الأشغال الثانوية . وكما ذكر فى مرحلة سابقة ، من المرجح أن يتخذ الإبتكار فى مجال التحكيم شكل المزيد من الشراكات والتعاون عبر الحدود فى 2018 ، فضلاً عن المبادرات ذات الصلة بــ BRI .

8- منازعات الحزام والطريق

ولا مفر من أن تؤدى مبادرة الحزام والطريق الطموحة للغاية فى الصين إلى إحالة عدد كبير من المنازعات إلى التحكيم. ويبدو أن الأطراف الصينية تعتبر التحكيم الدولى من الأساليب القابلة للتطبيق لتسوية المنازعات ، وهو ما يبدو واضحاً فى إحصاءات CIETAC’s للعام 2016 ، والتى طبقت علي عدد 2183 حالة .

الكثير من نزاعات الحزام والطريق سوف تكون لها بقيم كبيرة ، وتقوم مؤسسات مثل HKIAC بالإعداد لما قد يكون نمواً هائلاً بسبب هذا البرنامج الإنمائى عبر الدولي .

تعتبر مؤسسة HKIAC فى وضع مثالى للنظر فى هذه النزاعات، حيث أن الأطراف الأجنبية التى تسعى إلى الدخول فى إتصالات مع الأطراف الصينية سوف ترغب فى إختيار مقعد محايد ، دعماً مؤسسياً قوياً ، قدرات لغوية ، وملائمة جغرافية . ولدى هونج كونج أيضاً نظام قانونى قوى يعرض أقصى درجات الإحترام لسيادة القانون وإستقلال القضاء .

وتحرص مؤسسات التحكيم الأخرى مثل SIAC على جذب هذه المنازعات ، وقد نوقشت مسألة مبادرة الحزام والطريق (OBOR سابقاً) خلال فعاليات مؤتمر KLIAW 2017 . ولكى تظل الولايات القضائية والمؤسسات قادرة على المنافسة ، يجب أن يكون عام 2018 هو العام الذى يتم فيه الإعلان عن المبادرات ذات الصلة بالحزام والطريق .

9- صوت للدول المحورية

ويجب على مجتمع التحكيم الدولى التأكد من أنه يعمل من أجل إعطاء صوت للدول المحورية. وتشمل الولايات القضائية الأخرى الأقل إعترافاً بالتحكيم الدولي : فيتنام وتايلاند وأندونيسيا وبابوا غينيا الجديدة وفيجى ونيوزيلندا. ومن التطورات الهامة مؤتمر التحكيم الدولى الإقليمى المقبل الذى سيعقد فى فيجى . وتتزايد أهمية هذه المناطق بسبب الزيادة فى النزاعات المتصلة بالطاقة والتشييد والبيئة.

10- ظهور محاور تحكيم إقليمية

سوف تشهد مناطق معينة فى عام 2018 التعبير عن رغبتها فى الإعتراف بها كمحاور تحكيم إقليمية. إن وضع هذه المناطق ليس طموحاً بشكل مفرط ، ولكنه جزء من تطور التحكيم الدولى.

 

الآراء المعبر عنها فى هذه المقالة هى فقط آراء المؤلف .